ثقافاتمقالات و مجلاّت

قراءة في كتاب “العرب وجهة نظر يابانية”

قراءة في كتاب “العرب وجهة نظر يابانية”

للكاتب ثائر ديب : طالب دكتوراه باليابان
 
قراءة في كتاب "العرب وجهة نظر يابانية"
كتاب “العرب وجهة نظر يابانية”

أقدم هنا وجهة نظري الشخصية البحتة عن كتاب “العرب وجهة نظر يابانية” للكاتب نوبوأكي نوتارهارا ولعلي أسهبت في الكلام من منطلق أني عربي أعيش حاليا في اليابان بهدف الدراسة.

يجب أولا أن أشكر الكاتب على اهتمامه بثقافتنا وجهدة في نقل الثقافة العربية إلى المجتمع الياباني من خلال ترجمته لعدد من الروايات العربية إلى اللغة اليابانية.

قضى الكاتب حوالي 40 سنة (إلى فترة تأليفه للكتاب) باحثا في اللغة العربية وآدابها. عاش فترة في مصر وفترى أخرى في سوريا وقد عاش في المدينة والريف والبادية. قضى 19 عاما مركزا على ثقافة البدو في المجتمعات العربية.وفي كتابه هذا يتطرأ إلى بعض مشاهداته مع تحليلاته الشخصية عن المجتمع العربي من وجهة نظره كياباني.

الكتاب مقسم إلى عدة فصول ولكنني شخصيا أقسمه لجزئين رئيسيين:

جزء يتحدث عن القمع وانعدام المسؤولية في المجتمع العربي, الجزء الآخر يتحدث عن تجربة الكاتب مع عدد من الكتاب العرب من مختلف الأقطار وبالتالي معالجة قضايا عربية من خلال كتاباتهم.

بالنسبة للقسم الأول يتحدث الكاتب عن المشاكل الموجودة في المجتمع العربي وبشكل خاص القمع وانعدام الشعور بالمسؤولية والأنانية وازدواجية الشخصية وغياب العدالة الاجتماعية وعدم ممارسة المجتمع دوره في تنمية مواهب الأطفال وحتى في احتضان الموهوبين من أبنائه بالإضافة لغياب الثقة بين أفراد المجتمع. وهو يورد أمثلة عديدة عن ذلك من خلال مشاهداته.طبعا يضع الكاتب تحليلاته للعقلية العربية وراء هذه المشاكل ولكني ورغم أني أوافق الكاتب في معظم النقاط التي ذكرها من حيث وجود هذه المشكلات إلا أنني أختلف معه في معظم تحليلاته عن أسباب المشاكل. بل إنني أعتقد أن تحليلات الكاتب سطحية جدا وتقتصر على مشاهدات غير مدروسة بعمق. برأيي أن الكاتب يقتطع مشاهدات جزئية لم يربطها أبدا بتحليلات عميقة عن مجموع منظومة القيم المتكاملة في الوطن العربي. رغم أنه شخصيا أكد في بداية كتابه على إن المهم في النهاية هي أن نقبل قيم المجتمعات الأخرى كما هي دون أن نشوهها او نخفض من قيمتها على ضوء قيمنا نحن. بينما في كل قسمه الأول كان يقارن مع الوضع في اليابان وتشعر تماما بإنه يخفض هذه القيم من وجهة نظر منظومة القيم في اليابان.

فعلى سبيل المثال عن التحليل غير العميق وغير المتكامل أن يعتبر أن العرب نمطيون حتى أنهم يسعون لتوحيد نمط ملابسهم وهو يستدل على ذلك بأن بدويا أراد أن يأخذ صورة معه فطلب منه أن يخلع نظارته ويحمل مسدسا مثل البدو وهو يحيل ذلك إلى أن هذه الثقافة تنتظر من الرجال أن يكونوا على نمط واحد وملبس واحد. طبعا هذا التحليل سطحي جدا. وأنا كمقيم عربي في اليابان أستغرب أشد الاستغراب أن يتكلم الياباني عن وحدة النمط عند الثقافات الأخرى لأنني لا أرى أشد تنمطا من اليابانيين وذلك باعترافهم حيث أن كسر التناغم بين أفراد المجتمع إنما يعتبر أمرا لا يقبله المجتمع أبدا.

مثال آخر: الجنس: هو يعتقد أن العرب لديهم مشكلة جنس مقموع وقد يكون هذا صحيحا ولكنه يقارن مع المجتمع الياباني ويقول نحن نستطيع التحدث بحرية عن الجنس في اليابان وهذا صحيح أيضا ولكن من يعرف اليابان جيدا يعرف أنه من الصعب جدا أن تجد فندقا بغرفة تحتوي على سرير لشخصين (في الغالب سريرين منفردين) وذلك لأن النساء اليابانيات يشعرن بالقرف من ممارسة الجنس مع أزواجهم بعد أن يكبروا بل إنني سمعت عن نساء (ليست حالات فردية) يمتنعن عن ممارسة الجنس مع أزواجهن بعد أن ينجبن, وكأن الجنس الهدف منه هو فقط الإنجاب أو إمتاع الرغبة الجسدية. أعتقد ان الكاتب لم يتعمق في فهم قيم الجنس في المجتمعين العربي والياباني.

مثال ثالث عن قمع الطفولة : يقارن الكاتب مجددا بين اليابان وبين العرب وبشكل سطحي جدا بين أن اليابانيين يحسبون حساب الأطفال في كل شيء فلديهم مرافق عامة ومسابح وحدائق في مدارسهم بينما العرب لا يمتلكون مثل ذلك وهو يعزي ذلك إلى قمع الطفولة في المجتمع العربي بينما يهمل الحديث على أن السبب الأساسي وراء هكذا مشكلة هو اقتصادي بالدرجة الأولى.

طبعا هناك تحليلات تقارب الموضوعية ولكن بشكل عام لم يأخذ الكاتب بعين الاعتبار منظومة القيم المتكاملة في المجتمع العربي ويحلل على ضوئها و إنما في رأيي اكتفى بتحليلات غير عميقة.

وللأمانة هنا فقد تحدث الكاتب عن الكرم العربي بإعجاب شديد مقارنة بالكرم في اليابان وعن ثقافة البدو التي شاهد فيها الكثير من الصبر وقارعة الطبيعة وثقافة عدم التملك.

هذا بالنسبة للقسم الأول أما القسم الثاني فعلى العكس من الاول يتحدث الكاتب عن كتاب عرب (ويجب أن أقر أنني لم أسمع بمعظمهم رغم انني قررت القراءة لهم لما عرفت عن عمق تجربتهم في الحياة و ثبات مواقفهم) وعن معالجتهم لقضايا عربية وهو يكن كل الاحترام لهؤلاء الكتاب. منهم غسان كنفاني والذي من خلاله فهم الكاتب القضية الفلسطينية والتي يعتقد أن صورة اليابانيين كانت مشوهة عنها بسبب الإعلام الغربي.

هذا القسم الحقيقة كان ممتعا وقد فتح عيني انا العربي على حقائق رائعة عن مجتمعنا لم أكن قد فكرت مسبقا فيها.

وهنا يجب أن أقول ان أشد ما شعرت أنه لفت نظر الكاتب في اختيار هؤلاء الكتاب العرب دون غيرهم هي ثبات مواقفهم ودفاعهم عنها بينما لم يحترم كتاب تخلوا عن مواقفهم وانهزموا أمام السلطة وهي قضية إن صح تعميمها فهذا يعني أن العالم يحترمنا عندما نكون ثابتين في مواقفنا لأن ثباتنا ناتج عن إيماننا بها.

في النهاية الكتاب جيد نوعا ما ولكن حقيقة هو لا يقدم تحليل عميق للشخصية العربية ولا أي حلول.

هل قرأت هذا الكتاب ؟ شاركنا برأيك في التعليقات …

تابعوا علوم العرب على
زر الذهاب إلى الأعلى