طب و صحةمقالات و مجلاّت

مقال – كيف تعلم أسلافنا كيمياء صناعة الخبز بهذا الشكل المذهل؟

تعطي إضافة الدقيق و الماء إلى الخميرة إشارة البدء لعملية مدهشة ساحرة تنتهي بخبز رقيق لذيذ الطعم. موقع “بي بي سي فيوتشر” يستكشف هذه الكيمياء.

تشبه صناعة الخبز عملية نسج لبعض الخيوط معا، و إذا أمعنت النظر في كيفية إتمام العملية لتعجبت كيف تسنى لإنسان ما أن يفكر في هذا الأمر أول مرة، و كم من الوقت تحديداً استغرقه الوصول إلى هذا التصور المذهل.

الخميرة
الخميرة

صناعة الخبز، بأوسع معاني الكلمة، عبارة عن خلط الفطر المنتج لثاني أكسيد الكربون أو ما نسميه الخميرة بالماء و الدقيق. ثم تتدخل يد الخباز لتصنع هيكلا يدفع الخميرة إلى إطلاق غاز محدد إلى عجينة الماء والدقيق، و هو ما يدفعها بدورها إلى تشكيل هيكل لدن محكم أنيق.

خميرة الخبز
خميرة الخبز

وبعد أن يترك ذلك الخليط لينضج تحيل الحرارة هذا الهيكل إلى شكل دائم، أو دائم إلى الحد الذي يمكن أن يكون عليه الخبز الجيد الطازج كأفضل ما يكون قبل التهامه.

العملية الكيمائيّة الكامنة وراء كل وصفة خبز تتمثل في تحول الجزيئيات الطويلة من الخليط إلى شبكيات، و هذه العملية تحدث في الكثير من أنواع الأطعمة، وهي التي تخلق الأذواق والتركيبات التي تنتشر بشكل واسع، و ذلك بحصر كل شيء من الماء إلى الدهن.

اللحم Vs الخضراوات HD : نينا غاسكيل ومونيكا هيغوين

و في حالة الخبز تسمى الجزيئيات المعنية هنا بالجلوتين، وهي من أسرة بروتينات القمح الضرورية و اللازمة لقوام الخبز .

عجينة خبز
عجينة خبز


عندما يختلط دقيق القمح بالماء تبعث الحياة في خيوط الجلوتين الطويلة و اللدنة، فوجود الماء في أوساط هذه الخيوط يؤدي إلى تراخيها، و من ثم إلى نوع مما يمكن أن نطلق عليه التواصل الاجتماعي، إذا صح التعبير، مع بعضها البعض.

و بمساعدة بعض من الأكسجين تبدأ هذه الخيوط في الارتباط ببعضها البعض من الأطراف. وهذه السلاسل الطويلة تلتصق أيضا بجاراتها، و عندما يجري عجن ذلك الخليط أو العجينة، تفقد هذه الخيوط الارتباطية أشكالها، ومن ثم تتشكل روابط جديدة مرة تلو الأخرى.

ثمة كريات صغيرة من بروتين القمح تسمى جليادين تعمل على الحفاظ على مادة الجلوتينين في حالة ليونة في هذه العملية. و مع استمرار عملية العجن يصبح الجلوتينين أكثر التصاقا مع بعضه البعض مما يشكل جملة البروتينات المشبعة بحبوب النشا و التي تعرف باسم الجلوتين.

كلما زادت عملية العجن، توفر لديك خبز أكثر صلابة وأيسر مضغا، أما العجن بخفة فمن شأنه توفير قوام أخف، مثلما يحدث عند صنع خبز الحلوى.

العجينة الجديدة بفقاعاتها المتحركة تستقر عندما تضعها جانبا لتدع الخميرة تعمل عملها، و بمرور الوقت تتراخى تلك التشبيكات، و الأواصر بين البروتينات، مما يسمح للعجينة بالتمدد بفعل الغاز التي تطلقه الخميرة.

عملية تشكيل الخبز
عملية تشكيل الخبز


هذا الارتخاء هو الذي يفسر السبب في ضرورة أن تستقر العجينة لبعض الوقت قبل أن نبدأ في فردها وتشكيلها، وهذا ما تلاحظه إذا ما قدر لك أن تصنع الكعكة المسطحة الدائرية من دقيق الذرة.

إذا لم تتحل بالصبر، فستجد الكعكات في مراحلها الأولى وقد كشرت لك وعادت بعناد شديد إلى شكلها الأصلي، ولن تظل مسطحة ما لم تأخذ الجلوتينات وقتها لتخفيف تماسكها و ارتباطها ببعضها البعض.

الآن، هناك الآلاف من الفقاعات الصغيرة في العجينة بفعل عملية العجن ذاتها، و تبدأ الخميرة التي تتغذى على نشويات الدقيق في فردها وتفريغها. ويتخذ الغاز له مسارا عبر المسارات الدقيقة المتبعثرة في الخبز مما يؤدي إلى انتفاخ الجيوب الصغيرة فيما يشبه بالونات الهواء الساخن.

بعد مدة وجيزة، وهذا يتوقف على نوع الخبز الذي تصنعه، يأتي الدور على عملية عجن كرة العجينة المنتفخة بشدة، او تطبقها برفق على نفسها وتركها ترتفع مرة أخرى، وهي عملية يمكن أن تكررها عدة مرات لحفز عملية نضج نكهة الخبز، لأن الخميرة لا تفرز الغاز فقط، لكن أشياء أخرى ألذ طعما. لكن في نهاية المطاف، يكون مآل الرغيف المنتفخ إلى نار الفرن.

هناك وسط تلك النيران، تستعر الخميرة، وتحول الحرارة الماء إلى بخار ماء، و ينتفخ الخبز، و تتصلب شرايين النشويات، وتتخذ الشبكة التي تشكلها جزيئيات البروتين شكلها النهائي.

الخبز داخل الفرن
الخبز داخل الفرن

الناتج هو عبارة عن خبز متخمر، و قابل للمضغ، وجاهز لاستقبال مسحات الزبدة الدافئة، و هو منتج لا ينسى، و عجيبة من إحدى العجائب التي قد لا نفطن إليها إلا إذا ما فكرنا في دقة و تعقيد تلك العملية. لكن يظل الإنسان، في نهاية الأمر، مستعداً لفعل أي شيء من أجل الفوز بقضمة خبز.

تابعوا علوم العرب على
زر الذهاب إلى الأعلى